الخميس، 27 نوفمبر 2008

من سافو إلى إبتهال بليبل...أوجه الشبه وأوجه الإختلاف




من يوم تعرفت على كتابات الكاتبة والمحررة الصحفية العراقية(لبنانية الأصل)، السيدة الفاضلة إبتهال بليبل،ظل خاطر ما يخاطبني من الداخل قائلا: سافو...سافو،مما اضطرني إلى الرجوع إلى ديوان سافو وقراءته من جديد.ولقد أذهلتني أوجه التشابه بين الشاعرتين.شاعرة عاشت في القرن السادس قبل الميلاد ..وأخرى تعيش في القرن الحادي والعشرين.
ومعظمنا يعلم أن المرأة الكاتبة في معظم المجتمعات – خاصة المجتمعات الذكورية المحافظة- تكتب معبرة عن هموم المرأة في تلك المجتمعات.وهذا يؤدي إلى وجود شيء من التناص بين نصوص النساء الكاتبات.
تنقسم هذه الدراسة إلى قسمين رئيسين:
1- أوجه التشابه بين الشاعرتين
2- أوجه الإختلاف بين الشاعرتين
وسأقوم من خلال هذه الدراسة بالإستشهاد من داخل نصوص الشاعرتين.

** 1- أوجه التشابه بين الشاعرتين:
ا- من الناحية الشخصية:
تعتبر سافو امرأة متمردة على الكثير من تقاليد مجتمعها ،مع أنه كان أرقى مجتمع على وجه الأرض في تلك الفترة.فقد كان مجتمعا متحضرا بامتياز. تقول سافو:
ليعلم كل الناس بأني
اليومَ ...اليومَ
الآنَ ...الآنَ
سأشدو أجمل ما عندي
كي أُبهج كل صديقاتي
سنستمتع
وأما من يعيب عليَّ متعتَنا
لعلَّ حماقة ً وأسىً يغيظانه
لا شكوى عندي
فنجاحي الممنوح من الموزيات الذهبية
ليس بوهم ٍ
وحين أموت ُ ..فلن أُنسى
دعونا نرى نبرة التمرد على التقاليد البالية في نصوص إبتهال بليبل.
تقول إبتهال في مقطوعة بعنوان (سقط حملي):
لقد سقط حملي
ولم أُرد إسقاطه ُ
لكنّ حِجري
ارتفع إلى عنقي
فتقطعت حبال الوصل بيننا
عجبي....
لقد نزعوا الدموع من إحدى عينيَّ
وتشاوروا
وقالوا: تكفيكِ عين ٌ واحدة
ولا أرى إلا الغبار
ب- من الناحية الوجدانية:
كانت سافو على تنافس شديد مع امرأة أخرى إسمها (إندروميدا).وكانت مثلها تمتلك معهدا لتعليم الموسيقا وأصول اللياقة(الإتيكيت).حيث بينت نصوصها أنها كانت تتهم منافستها بسرقة الطالبات العزيزات على قلبها .تقول سافو معاتبة إحدى تلميذاتها:
من الغريب أن أقول
إن من عاملتهم بحسن نيّة ٍ
هم الذين يلحقون أكثر الأذى بيا
وتقول أيضا مخاطبة حبيبها الرجل:
لا شك أني أحبك
ولكن...
إذا كنت تعشقني
فاتخذ لك زوجا بعمرك
فلن أحتمل
معاشرة ً مع فتى
وفي السن – واأسفي- أكبُرُه
نعود إلى إبتهال بليبل التي تعاني من كونها امرأة ناجحة في مجتمع ذكوري حتى النخاع .وهذا يسبب لها ألما وجدانياً كبيراً
.تقول إبتهال في مقطوعة بعنوان (صلاة):
اصطفوا للصلاة
قبلتهم...الطغيان
إمامهم....هلاك الأمة
تلاوتهم ...طلاسم مكتوبة بالدم
تشهُّدهم ....قول المنكر
وتقول أيضاً في مقطوعة بعنوان(مقابر الغدر):
أحببت كل البشر
أحببت العطاء والحياة والأمل
فكانت لي هدية القدر
بأن يرسل لي زبانية ترقص كل مساء
على نغمات جراحي

ج- الشعور بالغربة:
كانت سافو قد نفيت مع زوجها "سركليس" خارج حدود موطنها - جزيرة صقلية-لأسباب سياسية تتعلق بزوجها.تقول سافو على لسان تلميذتها" أتيس" :
من بعد طول الإنتظار
إنا سندخل "ميتلين"
فهي التي كانت ولا زالت مدينتنا الأثيرة
في صحبة الأغلى علينا..والأحبّ من النساء
سافو الجميلة سوف تخطر بيننا
أماً تحيط بها البنات
من بعد عودتها من المنفى إلينا

أما إبتهال بليبل ،لبنانية الأصل ،عراقية الجنسية.فعند مطالعة نصوصها نلاحظ شعورها بالغربة داخل وطنها العراق ، وهذا يسبب لها ألماً وحزناً شديدين.تقول إبتهال في قصيدة بعنوان "غربة":
غربة ٌ في كلماتي
ترتمي في عزاء قلبي
حروفها تنزف في غموض أسود
إلى أين تأخذنا غربتكم؟
لماذا بلادي غريبة أنا عنها؟
هي كالرصاصة المدفونة في ذاكرتي
أحمل رايتها وأنا مرتحلة غريبة
غربتي...
كصخرة أحبت زلزال بلادها
كما تشتاق إبتهال إلى موطنها الأصلي لبنان .فتقول في مقطوعة جميلة بعنوان"لبنان":
طال البحث عنها
في روحي...نبضي...جسدي
لم أعثر عليها
ألطم وجهي
فيختفي
وأستحيل عدماً

د- إسقاط الرموز التراثية والدينية على النص:
استخدمت سافو الأساطير الإغريقية في أشعارها بشكل لافت للنظر .وقد أبدعت في ذلك.تقول سافو في إحدى مقطوعاتها الغنائية :
وحينما رأيته ُ
"إيروس ُ" كان هابطاً من السماء
وكان يرتدي عباءة الجندي ِّ
لونها من لون أرجوان
وتقول في مقطوعة أخرى:
وعندما السماء سادها السلام
وهُيّءَ الطعام
ممزوجة به الدّنان
وكان ذلك الإله "هرمز"
من حمل الإبريق
وصب ذلك النبيذ
للآلهة
جميعهم قد رفعوا الكؤوس
قد احتسوْا نخب العريس
وباركوه

أما إبتهال بليبل فقد أسقطت الرموز السومرية على القضية العراقية ببراعة فائقة.تقول في قصيدة بعنوان"بعق الإلهة تلاشت":
"دلمون ُ"..يا سيداً يضم البقاع
في ثوبك الراهب الجليل
إبحث ْ عن سبيل
لنحيا
وتحيا "أوتو" الجميلة
لا تتركنا
ما زالت أوتو
حبلى بالوجع ِ
فلتبق َ هنا
لتطوف معك أرواح سومر
فوق السهول
وفوق الجبال
وحول البراري

وتقول أيضاً في قصيدة بعنوان "أمل":
كصيّب ٍ من هذياني
يدعوني في ريب
أزلك شيطانك
لتسومني سوء عذابك
فاتخذت ُ من وهم حضورك
وعداً بالنجاة
أخذتك العزة ُ بنفسك
عثت َ بقوة في وجعي
أتتخذني هزواً ونكالاً ؟

نلاحظ هنا الإقتباس من القرآن الكريم في الكلمات(كصيب،أزلك،تسومني،سوء،أخذتك العزة، عثت،أتتخذني هزوا،نكالا ).

**2- أوجه الإختلاف بين الشاعرتين
ا- لقد وجدت نقطة إختلاف رئيسة بين سافو وإبتهال في تناول موضوع الحب .
سافو كتبت للحبيب الرجل وللحبيبة الأنثى ،مما أوقعها بين براثن النقاد حيث اتهموها بالمثلية.
تقول سافو مخاطبة تلميذتها "أتيس":
وأنت ِ يا أتيس
يا ذات الوجه النسناسي
لطالما أحببتك
ولم تكوني يومها سوى
الطفلة ..الصغيرة ..الفظة
كم كنت ُ يا أتيس
فخورة ً ..معتزة ً بك ِ
وهل في الكون من ساوتك ِ في مهارتك؟
فالشمس لن ترى
مثلك ِ ..في مقبل الأيام
وبعد هذا تكرهين يا أتيس
مجرد التفكير بي
وتهرعين يا حبيبتي إلى
إندروميدا
ألا تخبريني من ذا الذي
تحبين أكثر مني
من بين كل البشر؟

وتقول سافو أيضاً مخاطبة حبيبها الرجل:
أعترف بأني
أعشق من كان ولا زال يداعبني
وأؤمن أن لهذا الحب نصيباً من
ألق الشمس وعفتها

لكن إبتهال بليبل تخاطب نصفها الآخر فقط "الرجل" .وتصور المرأة أكثر إخلاصا ً وذوباناً وانصهاراً في حبيبها .وتتهم الرجل بقلة إخلاصه في حبه.تقول إبتهال في مقطوعة بعنوان"لعوب":
كالعصفور
أروي عطشي
من بركة حبك الآسنة
بدموع نساء ٍ سبقنني
في عشقك
وتقول أيضاً في مقطوعة بعنوان"صحراء":
إنني بنت صحرائك
ولا أحسّ بالتشبث فيك
إلا عندما أعيش على مجامر الفراق
طوعاً وكرهاً
ب- الشعر الغنائي :
لقد أبدعت سافو بنظم الأشعار الغنائية ،فهل سنرى إبتهال بليبل تبدع لنا شعراً غنائيا ً في المستقبل؟

وبعد:
هل يجدر بنا أن نطلق على إبتهال بليبل لقب" سافو العربية"؟

ليست هناك تعليقات: