الثلاثاء، 12 يناير 2010

ألِيسار



( قصة الفتى الكنعاني والأميرة الفينيقية )
مَلِكُ الكلماتْ
قمرٌ كنعانيُّ القَسَماتْ
بطلٌ قوميٌّ
يخدمُ في ألويةِ الفرسانْ
فَحْلٌ في خَلْق ِ الشّعر ِ
وفارسُ أحلام ِ عذارى كنعانْ
.........
بعيداً
أخذتهُ الأقدارْ
قابلها في بستانِ النخلِ
وكان النهرُ كمرآةٍ
يرسلُ ضَوْءَ البدر ِ المُزرقَّ المُتَماهي
ويُداعبُ مرمرَ خَدّيْها
فيراها مثلَ ملاكٍ
يتنقّلُ بين النجماتْ
- ما اسمُكِ
يا ربّةَ هاتينِ العينينِ الساحرتَينْ؟
يا مَنْ جعلتني أنسى حسناواتِ بلادي
- إسمي "أليسارْ"
- أميرةُ صور..؟؟!
ابنةُ ديدونْ ؟؟!
- أجل...
هاجرتُ إلى قرطاجَ مع النّسماتْ
هاجرتُ لأبحثَ عن ذاتي
وأقيمُ الآنَ ببستانِ النّخلاتْ
- لكنَّ الوطنَ عزيزٌ يا أليسارْ
هو أغلى ما يمتلكُ الإنسانْ
وأنتِ كما يبدو اخترتِ الإبحارْ
عكسَ التّيّارْ
- أنت جريءٌ جداً.. يا هذا !
- إسمي " سَرْمَدُ " يا سيدتي
- يبدو لي من إسمِكَ أنّكَ كنعانيُّ الجنسيّةْ
- أجل...
- يا سرمدُ...
لا يهجُرُ إنسانٌ موطنَهُ
إلا إن كان يرومُ كرامَتَهُ المهدورةَ فيه
وطني يحكمُهُ نذلٌ..جبّارْ
وطني يا سرمدُ يتصحّرُ
تأبى أن تسقُطَ فيه الأمطارْ
وطني أضحى
وكراً لعصاباتِ الأشرارْ
وأنا من طبعي أن أنحازَ
لكلِّ الناسِ المظلومينْ
فالظّلمُ ظلامْ
- ما رأيُكِ يا سيدتي ؟
أن نتمشّى
و نجلسَ تحتَ اٌلأشجارْ؟
- دعنا نجلسْ
..........

يقطفُ سرمدُ سوسنةً بريّة
ويقدّمُها
تأخُذُها
تُرسِلُ بسمةَ شُكرٍ خمريّة
جعلتهُ يطيرُ إلى دنيا
اختلطتْ فيها الأوراقْ
وانفرطتْ من سُبْحَتِهِ عدّةُ حبّاتْ
فيحدّثها بحميميّة
........
.........

وانتهت الجلسةُ بتبادُلِ أرقامِ الهاتفِ والعنوانْ
في تلك الليلةِ بالذاتْ
خاصمهُ النومُ....
- كأنّي أعرفُها
من قبلِ مجيئي للدنيا
هلْ دنيايَ ابتسمتْ ؟
واخترقتْ تلك المرأةُ فولاذي ؟
لا أدري
.....
.....

ما عاد الليلُ مُمِلّاً
في الثّلُثِ الأوّلِ يلتقيانْ
ثرثرةٌ
تتبعُها ضحكاتْ
كلٌّ يحكي
أحداثَ اليومِ لصاحبِهِ
كانا يرتجلانِ الأشعارْ
وحروفُ الشعر ِ سهامٌ
تسبرُ أفئدةَ الشعراءْ
.....

وأخيراً
برزتْ أعراضُ الهذيانْ
تخرجُ بعضُ الأسرارْ
ينطلقُ قطارُ البَوْحْ :
- الوجعُ الجاثمُ يا سرمدُ
خلّفَ لي قلباً مثقوباً
تتسعُ ثقوبُ القلبْ
أُرتُقْهُ
لأنّي قد أبرُدُ
قد أمرضُ، وأموتْ
- الوجعُ الجاثمُ يا سيّدتي
هو أوسعُ ممّا تعتقدينْ
أعراضُكِ تبدو لي
ليست قلباً مثقوباً
أو برداً
أو مرضاً
أو حتى موتاً
أعراضُكِ : أنّكِ صرتِ تُحبّينْ
فدَعينا
نرفعْ أيدينا
ونُصلّي
كي تنبتَ أزهارُ السّوسنِ
في عُرضِ الصحراءْ
- إنّي تائهةٌ
حائرةٌ
شاردةٌ
غارقةٌ في بحرِ الهذيانْ
- لا داعي للحيرةِ أو للتّوَهانْ
أنتِ الساعي يا شاغِلَتي
وأنا العنوانْ
- هل تعشقُني ؟
لا ..لا !
لعلّكَ تعشقُ أشعاري
- أعشقُ عينيكِ الفاتنتيْنْ
أعشقُ شفتيكِ اللاهبتينْ
تتضوّرُ كلُّ خلايا جسدي عشقاً
- إحذَرْ يا سرمدُ
حبّي أخطرُ مما تتصورْ
فأنا امرأةٌ جُبِلَتْ بجميعِ صنوفِ الأحزانْ
والأسوَدُ عندي
أفضلُ أنواعِ الألوانْ
إن كنتَ تظنُّ بأنّي قد أتغيّرْ
لن أتغيّرْ
هل تتحمّلُ حبَّ امرأةٍ ؟
تحملُ أوجاعاً بالأطنانْ ؟
قيدي أبديٌّ
لا يُكسَرْ
وأنا امرأةٌ
ألطمُ روحي في الليلةِ آلافَ المرّاتْ
فهل تقدِرْ؟
عِدْني ...
أن لا تأتيني يوما ً
مهزوماً
ترفعُ راياتٍ بيضاءْ
أو تتحسّرْ
فأنا يا سرمدَ روحي وكياني
لن أتغيّرْ
- إنّي راضٍ
حتى لو كنتِ سليلةَ آلهةِ الآلامْ
فلقد أحببتُكِ حبّاً
يتجاوزُ حدَّ الكونِ المُتمدّدْ
لو وُزّعَ هذا الحبُّ على كلِّ العشاقِ ..لَزادْ
- لكنَّ غموضَكَ يُقلِقُني
ويُحيّرُني
وأراكَ كأضغاثِ الأحلامْ
وسحابةِ صيفٍ
أو طيفٍ
تفصِلُني عنهُ مسافاتْ
أحياناً
أشعرُ أنّكَ بحّارْ
قذفتهُ على شطّي الأقدارْ
أو ماردُ بؤسٍ
ينفُثُ في روحي
تعويذةَ سحرٍ أسودْ
يجعلُني أقتاتُ على الأوهامْ
........

غابَتْ أليسارْ
........
........
وتمرُّ كعادتِها الأيّامْ
سرمدُ مأزومٌ كالبركانْ
يتضوّرُ شوقاً
مع أنَّ حبيبتَهُ اختارتْ
أن تهربَ خلفَ جدار ِ الصمتْ
سرمدُ يتجرّعُ نيرانَ مرور ِ الوقتْ
ورسائلُهُ لم تنضبْ بعدْ
خاطبَها
في إحداها :
أحببتُكِ حبّاً
أقوى من أن يحمِلَهُ
قلبٌ موجوعٌ متهالِكْ
أحببتُكِ حُبّاً
أكبرَ منكِ
فلا أستغربُ أن يتهاوى نبضُكِ
نحوَ الصفر ِ
وتختاري
أن تحيا روحُكِ في الظّلمة
إختاري الصمتَ إلى ما شئتِ
ولكنّي
سأظلُّ أُثرثرُ
حتى أهزمَ كلَّ فضاءاتِ العتمة
.....
خيّمْ يا صمتُ على عُمُرٍ
يُستَنزَفُ في قصةِ حبٍّ عاثِرْ
أليسارُ اختارت أن يبقى كلٌّ مِنّا
مكسورَ الخاطِرْ
ورِهاناً لجوادٍ خاسِرْ
........
أيّتُها الريحُ الغربيّة
هُبّي صوبَ شواطئِ قرطاجَ
خُذي روحي
مع أوراقِ الوردِ الجوريِّ
مخضّبةً بندىً يتدفّقُ من مِرجَلِ عينيَّ
ضَعيها
على الطاولةِ المركونةِ في الرّكنِ المُظلمْ
كانت تتوسّطُنا
حيثُ تعوّدنا أن نجلسَ في كلِّ مساءْ
ونثرثِرَ في كلِّ الأشياءْ
أيتها الريحُ الغربية
قولي للصامتةِ الثّكلى :
ألنّهرُ وشى لي
أخبرني عن مخبئِها
في بستانِ النخلاتْ
وحروفي صارتْ تتجافى
عن مضجَعِها
في ليلٍ يأبى أن يندحِرَ
كأنَّ الفجرَ استوقفهُ
كي يسألَهُ
عن حبٍّ حاولَ أن ينتحِرَ
فذاقَ العاشقُ والمعشوقَةُ
أفظعَ ألوان ِ الويلاتْ
.......
أيتها الريحُ الغربية
خُذي مني عبقَ القُبُلاتْ
لتُدغدِغَ مرمرَ خدّيها
إنْ كانت نائمةً
دعيها تحلُمْ
وتُحلّقْ
فوق الغيماتْ
فلعلّي أُمسي جزءً ميسوراً
من حُلُمِ امرأةٍ تسكنُ بستانَ النخلاتْ
...............................................
ورسائلُهُ
كَثُرتْ....كثُرتْ
لم يصلِ الرّدْ
............
غابتْ أليسارْ
.......
ظهرتْ
زعمتْ
أنّ الجنّ الأزرقَ بلّغَها في إحدى المرّاتْ :
" سرمدُ خَوّانْ
سرمدُ خوّانْ
في الأمر ِ خيانة "
واختلَّ توازنُ سرمدْ :
- خيانة ؟؟؟؟؟؟
مِنْ يومِ عرفتُكِ
صارت كلُّ نساءِ الدنيا أخواتي
لكِنّي....
أعترفُ بأنّي خُنتُكِ آلافَ المرّاتْ
لمّا صرتُ أعُدُّ ثواني بُعدِكِ عني بالساعاتْ
كم خُنتُكِ مع عينيكِ القاتلتينْ
كم خُنتُكِ مع شفتيكِ القاحلتينْ
كم خُنتُكِ مع روحِكِ !
عندَ توحُّدِها مع روحي
حين اجتاحتْ كلَّ خلايا جسدي
كم خنتُكِ مع طيفِكِ ...!
مع أحرفِ إسمِكِ !
لكنّي ...
ما خنتُكِ
حين حفرتُ اسمَكِ
في صدري
مقترناً بخريطةِ وطني
.......
......
ظهرتْ أليسارُ لثانيتينْ
غابتْ ...ظهرتْ
غابتْ ...ظهرتْ
سرمدُ يبحثُ حتى في نشراتِ الأخبارْ
ما مِن أخبارْ
........
ظهرت
غابت
........
ظهرت
قالت :
يا مَن أشعلتَ بقلبي النّارْ
هل خمدَ بروحِكَ ذاك البركانُ الجبّارْ؟؟
بالنفيِ ... أجابْ
.............
غابت أليسارْ
.............
.............
ماتت أليسارْ
..............
صارت تمثالاً من حجرِ الصّوّانْ
....
سرمَدُ راحَ يُسَطّرُ آخرَ أبياتْ :
" لأجلِ عيونِكِ يا أيّتُها التائهةُ الفينيقية
إنتَحرَتْ روحُ الكنعانيِّ
على مذبحِ محرابِ جنونِكْ
.........
مع أنّ كليْنا مهزومانْ
إسمي موشومٌ بحروفِكْ
يقرؤني العالمُ بحروفِكْ
واسمُكِ موشومٌ بحروفي
يقرؤكِ العالمُ بحروفي
يا قاتلتي
ستُخلّدُنا تلك الأشعارْ
فدعينا...
نفلَحْ بستاناً
لصداقتِنا "
رَفَضَتْ
...... رَفَضَتْ
.......رَفَضَتْ
..... رَفَضَتْ


ليست هناك تعليقات: